صوت العقل

كيف تتم بلورة الحقائق من طرف المثقفين و السلطة السياسية لتوجيه الرأي العام ؟

السلطة تظل قوية عندما تظل في الظلام و بتعريضها للضوء تبدأ بالتبخر

الدعاية في المجتمعات الديمقراطية تحيل إلى فرض سيطرة أكبر مما هي عليه في المجتمعات الإستبدادية وذلك راجع لحاجة حكوماتها إلى إخفاء أفعالها عن المواطنين في تصنيع الوفاق.
هنا يأتي دور الأكاديميون لتأييد السلطة لتحسين مواقعهم النخبوية ، فمن الطبيعي أن نتوقع بأن النباتات تميل إلى حماية تربتها  فالسلطة تظل قوية عندما تظل في الظلام و بتعريضها للضوء تبدأ بالتبخر، فكل مسائل التعقيد و الغموض التي تنتجها المجتمعات الديمقراطية أو بالأحرى الشبه ديمقراطية في القضايا الإجتماعية هو جزء من الوهم الذي يروجه نظام التحكم الإجتماعي للسيطرة الإيديولوجية الهادفة إلى جعل القضايا تبدو بمنأى عن عموم الناس و إقناعهم بعجزهم عن تنظيم قضاياهم الخاصة أو فهم العالم الإجتماعي الذي يعيشون فيه دون إرشاد الوسطاء ( الأكاديميون ) .
لذلك السبب فقط يجب أن يحذر المرء من أن يربط تحليل القضايا الإجتماعية مع المواضيع العلمية التي تتطلب تدريبا خاصا و تقنيات و إطار فكري خاص من المراجع قبل أن يستطيع البحث بجدية في تحليل القضايا الإجتماعية و السياسية .
يكفي أن تواجه الحقائق و أن تكون راغبا بإتباع خط منطقي في الجدل ، ليس مطلوبا سوى الحس العام الديكارتي الموزع بالتساوي … بذلك يمكن فهم الرغبة بأن تنظر إلى الحقائق بعقل منفتح و أن تضع الفرضيات البسيطة على المحك و أن تتابع الجدل إلى نتيجته النهائية ، دون ذلك لا يتطلب التحليل أي معرفة خاصة خفية لإستكشاف هذه الحقائق الغير الموجودة.
العلم ليس ضروري لإزالة مؤشر التشويه الذي فرضته الأنتجليسا ( الأكاديميون ) على الواقع الإجتماعي يكفي تطبيق مذهب الشك العادي ، دعونا نأخد مثالا ماديا : حينما يقع حدث في العالم تبحث وسائل الإعلام الجماهرية – التلفيزيون و الجرائد – عن أحد يفسره ، يلجؤون إلى المختصين في العلوم الإجتماعية ، استنادا على فكرة تبدو معقولة سطحيا ، و في بعض الحالات المنطقية أيضا ضمن الحدود  بأن هؤلاء الخبراء لديهم كفاءة خاصة لشرح ما يحدث، و بالتماثل  من المهم جدا للخبراء أن يجعلوا كل واحد يعتقد بوجود الإطار الفكري المرجعي الذي لا يملكه احد سواهم لهذا لهم وحدهم الحق في التعليق على هذه المسائل أو من هم بموقع فعل ذلك .
هذه الطريقة يقوم بها الأكاديميون بدور مفيد و مؤثر داخل جهاز التحكم الإجتماعي، إنك لا تسأل الرجل المار بالشارع كيف ستبني جسرا ، بل تلجأ إلى خبير محترف ، وبنفس الطريقة أنت لا يجب أن تسأل الرجل في الشارع ما هي حيثيات إنضمام المغرب للإتحاد الإفريقي ؟
هنا يحتاج المرء إلى خبير سياسي و إجتماعي فإذا قارنا بين الرياضيات و العلوم السياسية ، نجد أن في الرياضيات و الفيزياء يهتم الناس بما تقول و ليس بشهادتك ، لكن لكي تتحدث عن الواقع الإجتماعي يجب أن تكون لديك الإثباتات المناسبة خصوصا إن إبتعدت عن إطار التفكير المقبول، عموما يبدو القول صحيحا أنه كلما كانت المادة الفكرية أغنى قل الإهتمام بالثبوتيات و كثر بالمحتوى ، وقد يجادل المرء بأن التعامل مع القضايا الأساسية للمبادئ الإيديولوجية قد يكون خطيرا لأن هذه المبادىء لا تتعلق بإكتشاف و شرح الوقائع كما هي فقط بل تهدف إلى عرض هذه الوقائع و تفسيرها بطريقة تتطابق مع متطلبات إيديولوجية محددة و تصبح خطرة على مصالح المؤسسات إن لم تكن كذلك .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *