عندما ثرت على رئيس عملي ، فقدت وظيفتي وكدت أدخل السجن
هناك رب عمل ينتظر تأخرك أو غيابك، فيسمعك ما لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
بسرعة يباغتك الصباح وأنت لازلت تحبك آخر خيوط احلامك .. يرن الهاتف معلنا تآمره مع الصباح ،تقفله ،تريد العودة الى النوم ..لكن هيهات فهناك عمل ينتظرك ،وهناك أيضا رب عمل ينتظر تأخرك أو غيابك، فيسمعك في الاولى ما لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ،أما الثانية فلا كلام معك لانك من المطرودين ..
هكذا أمضيت وقتا ليس بالهين ، لا رده الله في مهنة “مساعد بناء” .
فبعد أن تعلم أن لا مفر من الاستيقاظ ،تستسلم لقدرك وتقرر النهوض لعملك المشؤوم .. تنظر حواليك فتجد كل من في البيت لا يزال ينعم بنومه ،فتلعن حظك الشؤم ،،تدخل الحمام تغسل وجهك البائس ،ثم تدخل المطبخ علك تجد شايا بائتا ،فالوقت لايسمح بتحضيره .
لحسن الحظ كنت دائما أجد الابريق فيه شايا تركته امي من عشاء الامس ، فأفرح لهنيهة لأني أنجو من تحضيره ،لكن سرعان ما تتحول تلك الفرحة الصغيرة الى عبس قمطرير ،بعد ان تصل مكان عملك ، والذي هو عبارة عن فيلات ضخمة تبنى لأسيادك الذين لازالوا يغطون في نوم عميق .
اليوم يوم ( الضالة ) يعني أن العمل يتطلب جهدا اضافيا وسرعة في الاداء ،،وبطبيعة الحال ،،وحتى يكون كل عامل في المستوى المطلوب يحفزه ” الشاف ” بآخر صيحات التوبيخ والاذلال .
كان مخزون الاسمنت قد نفد الشيء الذي لم ينتبه له ” الشاف شانطي” حتى حصل ما يكرهه كل مسؤول وهو ان يرى العمال متوقفون عن العمل ،بسرعة أرسل في طلب شاحنة للإسمنت ،كان كل طلبي من السماء أن يحصل عطب لتلك الشاحنة او حادثة سير دون ان يصاب السائق لانه كادح مثلي ،حتى استفيد أكثر من الوقت المستقطع ،،لكن تضرب كل دعواتي عرض الحائط ،،فأحدق للأعلى بغضب “أأنت أيضا معهم ”
أنظر للساعة فأجد أن الوقت توقف ،،، تبا الساعة تشير الى التاسعة صباحا (الجديدة ) بمعنى انها الثامنة صباحا ( القديمة ) (للاشارة عمال البناء يعتمدون التوقيت العادي دون اضافة ساعة ،من السابعة صباحا الى اذان العصر ) ،،يناديني الشاف الجيلالي رفقة أربعة عمال ، يأمرنا بافراغ الشاحنة من الاسمنت ،فيما باقي العمال يعودون الى عملهم بعد ان جاءت ” السلعة ” .
أحمل الكيس الاول ثم الثاني ،فالثالث فالرابع ، ثم أبدأ بالشعور بالارهاق ،لكن الأنفة تجعلني لا أفشي هذا الارهاق سيما و ” با عمر ” عمره يناهز الستين ولا يزال يحمل أكياس الاسمنة بكل رشاقة ،، كان يكشف عيائي في بعض الاحيان ، فتكون تلك فرصته لإظهار رجولته وبأسه وكيف أنه كان يحصد بالمنجل في رمضان وهو صائم ،ثم يعايرني بقواه “انتم الشباب مثل الدجاج الرومي الحر يغلبكم والقر كذلك “.
كنت لا أحاول مجاراته في الحديث لانه لن يفرغ منه إن تحديته ،فأكمل عملي وأنا كاره لما أقوم به ،فجأة يناديني الشاف ويطلب مني ان اكتب له اسم سائق الشاحنة في الهاتف ،لحظة لن أنساها تلك عندما علمت أن من أناديه الشاف أمي ،،أحقا هذا مآلنا ؟؟ أي تفو على الدراسة التي أوصلتنا لهاته المرتبة ،، وقد كنت مزهوا من قبل بجملة كنت ارددها دائما ،،الطلبة هم الطبقة البرجوازية المتوسطة ،،كنت أخال نفسي اشترك مع البرجوازية في شيء لكن بعد الذي عرفته من الجيلالي فالطلبة هم عببد المجتمع ،، أما البورجوازية فكنت أعرف قيمتها كلما زارنا صاحب المشروع للوقوف على مشاريعه .
كان يزورنا كل خميس لم أدر لماذا .. ينادونه بالحاج ،،رجل في سن الخامسة والستين أبيض الوجه ، دائم الحلاقة ، شعره أبيض حريري ،عيناه جاحظتان بكثرة السكر ،ينطق حرف ” أ” بدل “ق” بطنه منتفخة جدا على شكل ” د ماجيسكيل ” وكأنه حامل في شهره التاسع ،كان العمال يلقبونه بكرش الحرام ، سيارته كبيرة جدا لم أعرف نوعها .
هاته المرة لم يأتي لوحده فقد اصطحب معه ابنته ،كانت تنظر الينا من نافذة السيارة ،لم تستطع الخروج منها بسبب الحرارة المفرطة ، أو لربما خافت أن يلمسها أحد العمال فيصيبها بالاشمئزاز ، لاسيما واني لما التفتت نحوها علها تجود علي بابتسامة تنسيني لهيب الشمس وثقل اكياس الإسمنت ،زاحت بنظرها بعد ان رأت وحشا يرتدي أسامل متسخة قبعة قروية من نوع ” تارازة ” فتغيرت ملامح وجهها وكأنها ارادت التقيؤ لهول ما رأت
بعد لحظة ناداها والدها ان تأتي عنده وتبدي بعض الاقتراحات ،بقيت انتظر تلك اللحظة حتى اراها واقفة وارى قدها و “” طايها “”
نزلت ،مرت، من أمامي ،رائحة عطرها الثمين تشعرك بقذارتك حتى لتحسب انك تلوث لها الهواء الذي تتنفسه ، تتسائل مع نفسك ،هل هي ايضا تدخل المرحاض ؟ فخداها بيضاوان ،نهديها يقسمان بان لم يطمثهما من قبل انس ولا جان ،،وجنتها بيضاء ،وكل ملامح جسدها تظهر عليها اثر النعمة ،،وأنها لم تفكر يوما ،أنها لم تفكر في “الضو والما والبوطة ” لم تتذوق أتاي بايت ولا الزيت قاصحة على الصبح ،، لم تعرف ألم ان تنظر لامك وهي مريضة تتلوى أمامك من الالم ولا تجد لها حيلة ،لم تعرف ان تخيط سروالك بطريقة احترافية حتى لا ينتبه اليك الاخرون ،،لم تعرف لم تعرف ولن تعرف …
يأتي الجيلالي مهرولا بكرسي لسيدته ،،هاته المرة الاولى التي اراه فيها مبتسما ،يكاد يبتسم من مؤخرته ،ثم ما يلبث ان يأتيها بمظلة ليحميها من شمس الضحى ،،قال لها ” خليني ندرقك من الشمس بهاد المظل ” لم اعرف ان له رقة في قلبه ،وعرفت ان لماذا سمي العبد بالرقيق ..لانه يرق ،لسيده ،(بعد ذلك وجدت هذا التعريف صائبا في لسان العرب )
سرعان ما تحول اعجابي بتلك الفتاة الجميلة الى حقد وغضب ،انظر اليها واقارنها مع نفسي ،،مالفرق بيني وببنها ؟ مستواها التعليمي ؟ هي تظهر انها لم تحصل على الباكلوريا بعد ،أما أنا فتعليم عال،، أهي فتاة ،؟ أنا رجل !!! ،أبوها ؟ نعم ،نعم ،أبوها .. حتى أنا لي أب لكن لم يوفر لي شيء سوى الشقاء ،تبا لك أبي ..عفوا عذرا أبي على الأقل انت لم تأكل عرق أحد ،ما أشرفك ،،،وأبوها من هو ؟ مجرد لص يأخد أموال الفقراء ويمول بها مشاريعه ،هو برلماني ولا أحد يحاسبه
بقيت محذقا في مجمعهم المحترم والشمس تدنو من رأسي تساعد في اشعال نيران الغضب ، والعرق يتصبب مني بغزارة ،لم أعد أشعر بمن حولي ،أشعلت سيجارة وبدأت أدخنها وعيناي لاتزولا من الثلاثة ،،،فجأة رمقتني الفتاة ،فأومأت للجلالي ،فانتبه الي ،ثم نهرني ،وقال ” طفي داك الگارو وخدم على راسك يا وجه الحبس ” ،،،
دون أن أشعر قلت له غادي نطفيهلك فسوة دمك يا ولد القحبة ،ينعل الله درب دمك يا ولد الكلبة ،،ثم حملت نصف طوبية واتجهت نحوه قاصدا كسر جمجمته ،لحسن حظه وحسن حظي ايضا امسكني بعض العمال ،والا لكنت اكتب ما أكتبه الان في السجن .
فر مني مثل الطفل الصغير وبدأ يقول دابا تندم على هادشي ليكادير ،أما الحسناء وأبوها الوحش استقلا سيارتهما وبقيا يشاهدانني من خلف الزجاج … زادتني تلك النظرات غضبا ،فخلعت سروالي وبقيت بالملابس الداخلية وهددتهما بالنظر الى وجهه الكريم ،لكن دون ان اكمل تهديدي انطلقا بسيارتهما ،وبقيت رفقة من هم من طبقتي ،يحاولون تهدئتي …
هدأت أعصابي اعتذرت لهم عن الكلام الفاحش ،لم اعتذر على سب الرب ،لانهم يعتبرون الكلام الفاحش اكثر من سب الرب ،،عدت الى البيت محبطا ،عدت عاطلا من جديد .