ماذا قدم الحداثيون العرب من أفكار تنويرية وابداعية لشعوبهم ؟ ( نقد داخلي )
هل تخلصنا فعلا من رجعيتنا الموروثة رغم ادعائنا اننا تخلصنا منها ؟
جميل جدا أن نشاهد ونسمع في الآونة الاخيرة عن الألوف المؤلفة التي بدأت تكتسب أفكارا غير تلك التي اكتسبوها من الموروث الديني الذي ألفوه وألفوا عليه اباءهم وأجدادهم .
وأمر رائع جدا أن نجد شبابا استطاعوا رغم التلقين والتدجين والحشو المبكر بالأساطير والخرافات وبميتافيزيقيات متوارثة عبر الامم من جيل الى جيل ، أن يوقفوا هذا التسلسل التاريخي ويعيدوا النظر في ما كان مسلما فيه ولازال عند البعض الاخر .
سأسمي هؤلاء الشجعان ” بالحداثيين” ماداموا أنهم رفضوا كل ما هو رجعي موروث في العلاقات الاجتماعية وفي العلاقات مع الغير بصفة عامة وفي العلاقة مع الذات ، (مثال حقوق الانسان ، المرأة ، الحيوان ، الحريات الفردية ، الكراهية ضد الاخر ، اللامنطقية … )
سوف لن أجد أحدا يعارضني فيما أسلفته أن على الاقل هناك سبب او عدة أسباب كانت من بين الامور التي جعلته يهجر هذا الموروث .
جميل جدا … الان وقد استطعتَ التخلص مما مضى ، سأطرح عليك سؤالا أيها الحداثي الشرق أوسطي والشمال افريقي ، والمغربي بالتحديد الامازيغي منك والعربي وعلى نفسي أيضا .
هل تخلصنا فعلا من رجعيتنا الموروثة رغم ادعائنا اننا تخلصنا منها ؟ أم أنها لازالت ولا أقول رواسبها فقط ، بل هي كاملة مكمولة لم يتغير منها الا الاسم ؟
ثم ماذا قدمنا للناس عامة من أفكار تنويرية و ابداعية للنهوض وشعبنا من هذا المستنقع الموحل ؟
سيقول قائل ، أنا مسؤول عن نفسي ولا غاية لي في تحرير الناس .
حسنا : ستتفق معي ايها النرجسي انك تتمنى ان لو تعيش حياتك بسلام وأن لا يضايقك أحد في أفكارك وميولك وحرياتك الشخصية وتصرفاتك التي لا تؤذي بها احدا .
اذن ولكي تصل هاته المرحلة وجب عليك أن تقنع الاخر الذي يمثل الاغلبية والقوة المطلقة انك لا تشكل عليه أي تهديد ، لا من الناحية البدنية ولا من الناحية المعنوية .
انت ملزم أن توعي هذا الاخر الذي يمثل الاغلبية انك لا تهدده ، وذلك لا يتأتى بالقيام بأعمال رجعية شبيهة بالتي تربى عليها هو، وأخرى أشد منها، وتنتظر منه ان يشيد بأفعالك وأفكارك بين الناس .
عندما تنتقد الرجعية والموروث السابق في الانترنت وتطالب بمزيد من الحريات وأنت في حانة مخمور وسيجارة تشعل الاخرى وكلامك جنسي في مجمله تتخلله بعض الافكار التي تريد ايصالها .. فلا تتوقع من الاغلبية التي تحاول أن تقنعها أن تصفق لك.
سيقول احد اخر وما العيب في ذلك ؟ تلك امور شخصية وليست ذات قيمة ،.
وسأقول له : مادمت تعتبرها أمور شخصية فلماذا تعلنها أمام الملأ ؟ ان كانت شيء عادي فلماذا تتباهى بذلك ولا تكاد تترك اي فرصة لتذكرنا بأنك سكير والهتك هي الخمرة ؟ ولماذا تأبى الا ان تدخل الاعضاء التناسلية الانثوية (تذكر الشتم والقذف الموجه للانثى دون الذكر كأن نقول قحبة دمك ، ندير لمك ، نفعل لختك ، ونادرا ما نقحم الرجل ، وهذا يدل على حقد دفين على المرأة ) في الغالب في كل كلامك حتى تعبر عما يجول في بالك ، رغم انها في غير محلها ولست مضطر لذكرها ، ام هي وسيلة في لا شعورك كي تظهر لنا بأنك قوي من خلال التلفظ بها ؟
وان كانت هاته الكلمات لا تعتبرها شيء غريب وليس فيها أي مشكل فلماذا لا تجعلها في ميزان واحد مع باقي الاعضاء الجسدية ، فبدل أن تقول (الط…. دمك ) قل ( الصبع دباك ، او الصبع دخوك او الشعر دخالك )
أترى ستجد هذا السباب غير كاف لأنه لا يحمل كلمات تسب المرأة ولا يحوي الكلمات الجنسية ،،، والجنس لنا معه قصص مكبوتة وللأسف لم نتخلص منه رغم ادعائنا اننا تخلصنا منه ذكورا منا واناثا .
وعلى ذكر الجنس سأعطيكم مثالين لأظهر لكم انني لا أفتري عليكم كذبا : قارنوا بين منشورات الذكور في مجموعاتنا وصفحاتنا الحداثية على وسائل التواصل الاجتماعي التي تدعي انها تضم نخبة الشباب الحداثي ومنشورات الاناث من ناحية عدد المعجبين والتفاعل، فستجدون ما أحاول قوله .
وكمثال ثان انظروا الى من يطالبون بالحريات الفردية والجنسية منها على الخصوص ، وستجد أن من يطالب بها لا ينفك يظهر ميوله الجنسي وكأنه مثار على مدار الساعة فلا تجد في صوره ولا كلامه الى ايحاءات جنسية توحي للجاهل به انه لا يفكر الا في الجنس ولا شيء غير الجنس .
فاذا كنت ايها الحداثي تعتبر ميولك الجنسي شيء عادي فلماذا لا تتجاهله كما تتجاهل باقي المواضيع التي تعتبرها عادية ، وتنتقل لنقاش قضايا اخرى .
نحن تعلمنا ان ننتقد ولا نعطي البدائل تعلمنا أن نستهلك ولا ننتج ، تعلمنا ان نأخذ من الحداثة ما يروقنا منها مادامت لا تتعارض مع مصالحنا .
في مجال حقوق الانسان أعرف أشخاصا كثر من الاصدقاء ودائرة معارفي يتبجحون بالحداثة ولهم مهن حساسة في هذا البلد كالشرطة والجيش والتعليم والادارات العمومية ، والطب … وأثناء عملهم ، لا يتذكرون اي مصطلح اسمه ” حقوق الانسان” وهذا باعتراف منهم وهم يسخرون ، اما حقوق المرأة فحدث ولا حرج ، فلا زالت عقدة المرأة الشيطان عند اغلب الذكور ولو لم يعترفوا بذلك ، ولكن يمكن ملاحظة ذلك في اقوالهم وأفعالهم ، ولازالت عقدة لعب دور الضحية عند المرأة الحداثية رغم محاولتها اخفاء ذلك .
أما حقوق الحيوان فلا فرق بين الحداثي والسلفي والهوموسابيان في ذلك فكلهم متشابهون
وهناك عدة امور لم تتغير في سلوك وافكار الحداثي المغربي والعربي ، اللهم انه لا يصلي ولا يصوم عدا ذلك فهو يتشابه مع الاغلبية في كل ما كان ينتقده فيهم .
مدعوا الفردانية والانعزالية على المجتمع قد لا يروقهم هذا الكلام ، وسيعترضون بحجة انهم غير ملزمين بالاحتكاك مع الناس ومع من هب وذب .
نعم يحق لكم ذلك لان هذا الكلام موجه لمن يشرك ادق تفاصيل حياته مع الناس ، ويطبل ويزمر لأفكاره في مكان وزمان غير مناسبين ولأناس في اذانهم وقرا ، وبالتالي يجني على نفسه وعلى من يتشارك معه تلك الافكار .
فتجد الظلامي ينشر بين الناس ويقول “هاكم العلمانية ، هاكم الحداثية ، خمر وانحلال وميوعة ” ، وبالتالي يصبح من يطالب بها كمن يطالب بهلاك المجتمع حسب رأي الاغلبية وهذا ما نهابه .
اما ان تنعزل على العالم فعلى الاقل لن يعرفك احد ، وستبقى امورك الشخصية شخصية ، وسوف لن تشرك العالم في بث مباشر لجلسة خمرية تنادي فيها بإصلاح المجتمع وتغيير عقلية افراده ، والا فلن تسمى فردانيا ما دمت تدعوا وتستقطب لأفكارك .
نحن منذ فارقنا الموروث الديني لم نضف ولم نطور اي شيء باستثناء كلامنا الفاحش الذي اضحى بدون حدود ، وسبنا وقذفنا لما مضى ، لكن أن تجد فينا من يؤلف كتاب يناقش فيه مواضيع علمية وفلسفية وادبية بطريقة اكاديمية ، فلحد الساعة لا علم لي بأحد قام بذلك ، ومن غير الكتب ، فلا نجد الابداع في اي مجال اخر
بطبيعة الحال هناك استثناءات ولا يمكنني ان اعمم حتى لا أكون ظالما ، وهذا الكلام وان كان قاسيا ، فهو كلام خالص نابع من القلب لأذكر وانتقد به نفسي اولا ،علَّني اقدم اي شيء ينفع البشرية مستقبلا ، وعلَّ من يقبله (اي هذا النقد ) أن يجعله بداية لنهاية ” اللاتميز ” الايجابي الذي نشترك فيه مع الاغلبية .